يتسم محتوى عالم السفر بأنه واسع ومتنوع تماماً كحجم هذا الكون الذي نعيش فيه، فهو يضم المقالات الصحفية التي تُنشر في الصحف اليومية والمجلات، والمدونات المكتوبة ومدونات الفيديو، ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي المؤثرة، والأفلام الوثائقية التلفزيونية، والبرامج الإذاعية، دون أن ننسى آراء وردود أفعال النزلاء وأبحاث السوق من مزودي خدمات السفر، وهو ما يبدو في حقيقة الأمر أمراً محيراً للمسافرين في وقتنا الحالي.
إن تحويل اهتمام المسافرين إلى حجوزات فعلية هو محط اهتمام جميع وكلاء ومزودي خدمات السفر، وهو عادةً ما يأخذ حيزاً كبيراً من النقاشات التي تدور في أروقة قاعات ومنصات سوق السفر العربي كل عام.
وفي العام الماضي، كشف تقرير “مستهلكو قطاع السفر في الشرق الأوسط” الذي أعدته كل من “أماديوس” و”تجوّل” و”جميرا” أن أكثر من نصف المسافرين (52٪) منهم يرغبون في معرفة أدق التفاصيل المتعلقة بالوجهات والصفقات والخيارات المتوفرة لديهم قبل اتخاذ قرارهم، الأمر الذي يعكس أهمية إجراء تقييمات شاملة في مرحلة ما قبل إجراء حجوزات السفر.
إن اتخاذ قراراتنا يأتي نتيجةً لنقاط التوعية “الإيجابية” و”السلبية”، حيث تشمل الأولى مواقع وتطبيقات معروفة مثل (بوكينغ دوت كوم، ترِب أدفايزر، تريفاجو، مسافر) ووكالات السفر والنصائح الشفهية، في حين تتمثل الثانية في كل شيء آخر من منشورات المشاهير على مواقع التواصل الاجتماعي إلى فيديوهات اليوتيوب.
ومن خلال التعمق أكثر في البيانات، وجدنا أن الفئة الأكبر تشمل السفر مع “الأصدقاء والعائلة والزملاء” بنسبة 44% مما يشير إلى قوة العلاقات والروابط الاجتماعية مع المقربين منا.
أما بالنسبة للمدراء التنفيذيين الذين يمارسون الأعمال التجارية في الشرق الأوسط ورواد السفر الترفيهي القادمين لاستكشاف الثقافة الشرق أوسطية، فتلعب النصائح الشفوية دوراً رئيسياً في تحديد وجهاتهم، وغالباً ما يكون لذلك تأثير أكبر من تعليقات النقاد أو آراء المؤثرين، خاصةً لمواطني دول مجلس التعاون الخليجي والهند ومصر.
ونظراً لقوة تأثير التوصيات الشفهية، فقد باتت الأسباب التي تدفع المسافرين للحصول على التقييمات الدقيقة والتفاصيل المختلفة التي يحتاجونها بلغتهم الأم واضحة، لذا فإنهم يضعون ثقتهم في المشغلين والوكلاء المحليين وينفقون ميزانيتهم على هذا الأساس.
ففي بلاد الشام على سبيل المثال، تحتل شركات “دالاس للسياحة والسفر” و”نخّال” و”مواكب” المراكز الثلاثة الأولى في تقديم نصائح واستشارات السفر، في حين يأتي موقع “بوكينغ دوت كوم” في المركز الرابع. وفي كثير من الأحيان لا يؤخذ بالاعتبار إلا التقييمات الأخيرة التي يحصلون عليها من قبل أقرانهم بلغتهم الأم أو من خلال بعض المواقع الموثوق بها.
أما على مستوى “المسافرين الكبار”، فيتمثل التحدي في إيجاد التوازن بين وجهات عالمية أكبر مع ضرورة أن تحمل نفس طابع الوجهات المحلية؛ وهو ما يشكل حالة غريبة ومألوفة في الوقت ذاته.
كانت منصة “بوكينغ دوت كوم” تُستخدم كنقطة بحث عبر الإنترنت من قبل 39٪ من المسافرين الذين يشاركون في الاستطلاعات، وكانت أول وكالة سفر عالمية عبر الإنترنت تقدم المحتوى باللغة العربية، ثم عزز موقع “تريفاجو” الوعي الإقليمي من خلال الحملات الإعلانية المبتكرة التي قام بها والتي لقيت تجاوباً واسعاً بنسبة 33%.
بدوره يسعى موقع “ترِب أدفايزر” المتاح الآن بكل اللغات، إلى إعادة تحديد موقعه كشبكة سفر اجتماعية في ظل المنافسة المرتفعة، حيث يعمل جاهداً ليصبح نقطة محورية للتخطيط للسفر، وذلك من خلال عرض مقاطع الفيديو وآراء المسافرين الجديرين بالثقة والذين يُظهرون قوة الاتصال بلغتهم الأصلية.
وفي بعض الأحيان، قد يكون الإعلان محل شكٍ ويسبب بعض المشاكل، حيث وجد مواطنو دول مجلس التعاون الخليجي أن كثرة الإعلانات تشوش عليهم وتؤثر على قراراتهم بشكل أو بآخر، وهو ما يشكل تحدي جديد للإعلانات المتراكمة والتي باتت لا تتناسب مع متطلبات المسافرين. كما أن تمييز علامة تجارية عن غيرها يعد أمراً أساسياً للوكالات والمسوقين الرقميين.
وفي الواقع، يجب على المشغلين المحليين التمتع بالذكاء والحنكة لتعزيز المحتوى المحلي، بما يمكنهم من منافسة الشركات متعددة الجنسيات، عبر تقديم خدماتهم بشكلٍ أسرع. ولا ينبغي على الشركات الصغيرة والمشغلين المحليين أن يركزا على العلامات التجارية الكبرى، لأن ذلك قد يؤثر على فهمهم لاحتياجات مسافريهم المحليين وغالباً ما يكونوا في وضع مثالي لجذب عملائهم من خلال التواصل معهم باللغة الأم، أو على الأقل يكونوا بمثابة منتدى لتبادل المعرفة.
وقد وجد التقرير المشترك أن 46٪ من الأفراد أرادوا التحدث شخصياً إلى وكيل سفر، وهو أمر مستغرب بعض الشيء في عصرنا المهووس باستخدام الهواتف الذكية في مختلف المجالات، وقد يستمر هذا التوجه بالنمو نظراً لافتقاد الخدمات الرقمية المقدمة حالياً إلى اللمسة البشرية.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، لا بد أن نذكر هنا أن المواقع العالمية الرئيسية والتقييمات التي تحدث باللغة الأم لا تزال تتمتع بمكانتها المرموقة بالنظر إلى تنامي حجم صناعة السفر، لذا فإن هناك مساحة لكلا التوجهين للتكامل والنمو معاً.